بعد إجازة طويلة، انفكت فيها اغلب القيود، وتركت معظم الحبال على الغارب ، وذهب فيها الطلاب بعيداً عن مستلزمات الواجبات والتكاليف، فطال السهر ، وكثر الخروج ، وتعددت البرامج ، وغابت في كثير من الأحيان الرقابة بحجة الترفيه تارة ، والفسحة تارة أخرى ، فانهدم بعض ما قد بني ، ونسي بعض ما قد حفظ ، وغاب ما قد عرف ، واندثرت قيمة الوقت. عند اغلب الطلاب
بعد كل هذا انتهت الإجازة ولكن كانت نهايتها هذا العام جميلة ، حيث جاء شهر رمضان شهر الخير والبر والإحسان، فهدأت فيه النفوس ، وعادت القلوب إلى ربها ، وتهيأت لاستقبال رحمات خالقها ، وهيأت الفرصة لبداية دراسية هادئة بعد هذه الجرعة الإيمانية والحالة النفسية خلال شهر رمضان ، فرصة جاءت تساهم في خفض كبير لتلك الفجوة بين ما تركنا عليه أولادنا في الإجازة ، وما نريده منهم في الدراسة ، فرصة لعلنا استفدنا منها ووظفناها لصالح أبنائنا لبدء عام دراسي جديد، يحدونا فيه الأمل ، وتزداد تطلعاتنا إلى مستقبل لا نقول مشرق ومبهر ومبدع ، ولكن على الأقل أفضل مما نحن فيه ، ننظر فيه إلى أبنائنا وطلابنا وطالباتنا أنهم الثروة الحقيقية لهذا المجتمع ، اللبنة التي نضعها لنؤسس عليها جدران بلادنا ، والقواعد التي نرفع عليها بنيان أوطاننا.
مستقبل طلابنا وطالباتنا بين ذراعي ( الأسرة والمدرسة ) ويتداخل معهما عوامل الإعلام والمجتمع والأصحاب. وغيرهم ، إلا أن الركنين الرئيسيين هما المؤثران القويان في كل مراحل الأبناء.
فالأسرة بتوافقها الاجتماعي ورسوخ مبادئها وصحة عقيدتها ، وحسن تربيتها ، وجميل رعايتها ومتابعتها ورقابتها تنشئ فتياناً وفتيات لديهم القدرة على تلقي العلم والعمل به ، وتزرع في نفوسهم الطموح ، وتربي في طموحهم العلو ، وتعلي في آمالهم اليقين بأن العلم سلاح المؤمن ، ولا تكتفي كما تفعل بعض الأسر بأن تلقي بفلذات أكبادها ، وبذور مستقبلها في واد غير ذي ذرع ، أعني لم تعتن في أي مدرسة ألقته ، ولا عند من يرعى ، ومع من يسير القطيع.
الأسرة المسئولة هي التي تنظر في المدرسة واختيارها والمعلم والمعلمة والإدارة والمتابعة والرصد والتوجيه والمناقشة ، تنظر الواجبات وتتابعها ، ترعي وتذلل الصعاب ، تراجع الحفظ وتؤكده ، تناقش الفكر وتؤصله ، تصحح المفاهيم الخاطئة وتصوبها ، تشجع الأبناء وتذكيهم ، وتعالج القصور وتنجيهم ، تقسو عندما يكون ذلك لازما وترحم في كل الحالات كونها الحضن الودود ، وتعاقب متى لزم العقاب بأساليب تربوية لا تتنافى مع شرع وشريعة.
أسرة تقوم بواجبها تجاه أبنائها وتعمل بالأسباب لنهضة أمتها ، أسرة لا ترغب في الاندثار ومحو الذات بالإهمال ، أسرة عرفت حق الله في أولادها فقامت بوجباتها تجاه ربها وأولادها.
أما المدرسة الركيزة والبيت الثاني للأبناء ففيها تغرس القيم ، وتنبت المبادئ ، وتكبر الأمال ، وتعلو الهمم، فيها ينشأ الطالب على المثل ، ويتدّرب على القدوة ، فإن غابت أو فسدت أو تهاونت فلن تجد صدراً يحنو ، ولا قلباً يحمي ولا عيناً تدمع ولن تجد غير أعجاز نخل خاوية.
ومتى قامت المدرسة بدورها نجد انها قد أشعلت النور ، وأشعت الضياء ، وأنارت طريق السعادة والرخاء ، تملأ قلوب الأبناء بالحب والعلم والعمل ، تثير الحوافز بين الطلاب ، تشجع الموهوبين والمبدعين ، وترعي مهارات المتميزين ، وتأخذ في نفس الوقت بيد من تأخر عن ركب المتقدمين ليلحق بكواكب النور مع قرناء الفصل والصف فيتقارب المستوى وتعلو الهمة وتستيقظ العزيمة.
ومع بداية عام دراسي جديد ، نناشد كل من الأسرة والمدرسة بأن هدفنا واحد وآمالنا مشتركة ، وتطلعاتنا متوافقة ، نتعاون من البداية ، نساهم معاً في رسم صورة صحيحة وسليمة قدوة وعمل ، خلق وسلوك ، متابعة ورقابة ، تعليم وتربية علم وعمل ، فينشأ ناشؤنا على أسس سليمة وقواعد مثبتة تسعد بهم قلوبنا ، وتفرح بهم أعيننا ونرهب بهم عدونا ، وتعلو بهم قاماتنا وتشتد بهم سواعدنا، وتقوى بهم ظهورنا ، وتزهو بهم بلادنا، وترتفع بهم راياتنا.